الرجولة.. صفة الشخص الطموح

د. محمد فتحي

الرجولة اسم مأخوذ من القوة, وهي صفة أصيلة من صفات الشخص الطموح, والرجولة هي: اتصاف المرء بما يتصف به الرجل عادة ، مثل المروءة والإنسانية والفتوُّة، وحيث التحمل وصلابة العزيمة والصدق في الوعد والشهامة والشجاعة والشرف والثبات والعفة، كما قال تعالى: "مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ" (الأحزاب: 23). أي صدق الرجل فيما عاهد عليه.
وقد وصف القرآن الكريم رجال الكهف بأنهم "فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ" (الكهف: 13). أي صفة الفتوُّة فيهم تفيد قوة تحملهم وصلابة عزيمتهم وكمال عقولهم المتمثل في الإيمان بالله عز وجل، فهم أقبل للحق وأهدى للسبيل.
كما أنها التطبيق العملي والتنفيذ الفعلي لما تقتضيه الأخلاق الحميدة التي لابد أن يتحلى بها من اتصف بالرجولة والفتوة.
وعندما سئل جعفر الصادق عنها قال للسائل: ما تقول أنت؟ قال: إن أعطيت شكرت، وإن منعت صبرت، فقال (جعفر): لكن المروءة عندنا: إن أعطينا آثرنا وإن مُنعنا شكرنا.
وقال الفضيل بن عياض: الصفح عن عثرات الإخوان. وقال الإمام أحمد: ترك ما تهوى لما تخشى. وقال المحاسبي: أن تنصف ولا تنتصف. وقال الترمذي: ألَّا ترى لنفسك فضلاً على غيرك.
فإن لم يكن الرجل الطموح كذلك فالضد هو الموجود؛ حيث: التخاذل والتهاون والخنوثة والذل والجبن والضعف والوهن والكسل وصغر الهمة والتفريط والإفراط واللهو واللعب واتباع الهوى دون حد لشريعة أو أمر إلهي.
وانظر لقوله عز وجل عن الرجال: "قَالَ رَجُلاَنِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللهِ فَتَوَكَّلُوا إِن كُنْتُم مُّؤْمِنِينَ" (المائدة: 23).
رجلان يخافان الله عز وجل، ينشئ لهم الخوف من الله استهانة بالجبارين ويرزقهما شجاعة في وجه الخطر الموهوم، فالرجل المؤمن لا يجتمع في قلبه مخافتان: مخافة الله عز وجل ومخافة الناس.
"رِجَالٌ لاَ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللهِ وَإِقَامِ الصَّلاَةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ" (النور:37).
قلوبهم- قلوب الرجال- لا تلهيهم الأشياء عن حقوق الله عليهم، فالكسب والثراء وتحصيل المال لا يشغلهم عن حق الله في الصلاة وحق العباد في الزكاة.. يتطلعون إلى ثواب الله.
"وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ * اتَّبِعُوا مَن لاَّ يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُم مُّهْتَدُونَ * وَمَا لِيَ لاَ أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * أَأَتَّخِذُ مِن دُونِهِ آلِهَةً إِن يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لاَّ تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلاَ يُنْقِذُونَ * إِنِّي إِذًا لَّفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ * إِنِّي آمَنتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ * قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ" (يس: 20:27).
رجل: أي يستجيب للفطرة السليمة للحق المستقيم.
رجل: صادق، بسيط، يلبي الحق المبين.
رجل: لم يطق السكوت على الحق ولم يعتزل بنفسه سلبيًّا، ولكن سعى بالحق الذي استقر في ضميره وتحرك في شعوره، سعى إلى قومه ليكفهم عن سوء فعالهم، مع العلم أنه لم يكن ذا جاه ولا سلطان، ولم يكن في عزوة من قومه أو منعة من عشيرته، ولكنه رجل.
"وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ وَإِن يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِن يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ" (غافر: 28).
رجل: انتدب نفسه ليدافع عن الحق ويحتال لدفع القوم عن موسى عليه السلام.
رجل: ينصح قومه ويثير حساسية قلوبهم بالتخويف والإقناع.
رجل: يفرض لهم أسوأ الفروض ويقف معهم موقف المنصف تمشيًا مع أقصي فرض يمكن أن يتخذوه وهو أن يكون كاذبًا فيتحمل تبعة عمله ويلقى جزاءه ويحتمل جريرته.
وهذا خبيب الأنصاري الذي أُسر وبيع في مكة بعد بدر، بيع ليُقتل نظير قتله الحارث بن عامر يوم بدر، فقالت بنت الحارث: إنه طلب موسًى يستحد بها ، وأخذ ابنًا لهم وهي غافلة ، حتى أتاه فوجدته جالسًا على فخذه والموسى بيده ، ففزعت فزعة عرفها خبيب في وجهها ، فقال: تخشين أن أقتله؟ ما كنت لأفعل ذلك.
لماذا لا يفعل ذلك؟ لأنه رجل.
هذه هي الرجولة المطلوبة في الرجل الطموح ، حيث:
الثبات على الحق.
كسب ثقة الآخرين.
الإنصاف للغير وعدم الانتقام لنفسه.
المروءة والفتوة.
الشجاعة والإقدام.
عدم أكل حقوق الغير.
أداء حقوق الله عز وجل.
استخدام الحيلة للوصول إلى الحق.
عدم الغدر حتى ولو غدر به.
النصيحة للغير حتى ولو لم يطلبوها.
أدرك نفسك والحق بالركب
ركب الطموحين
ركب الرجال