أمير بن محمد المدري
إمام وخطيب مسجد الإيمان – اليمن
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، ((يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)) آل عمران:102، ((أَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِى خَلَقَكُمْ مّن نَّفْسٍ وٰحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِى تَسَاءلُونَ بِهِ وَٱلأَرْحَامَ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً))لنساء:1
عباد الله سنعيش واياكم مع الخوف والخائفين
الخوف من الله
هو من المقامات العليّة وهو من لوازم الإيمان ، قال الله تعالى :
((وخافونِ إن كنتم مؤمنين))ال عمران
(( فلا تخشوهم واخشونِ)) البقرة
((إنما يخشى الله من عباده العلماء))، وقال صلى الله عليه وسلم (( أنا أعلمكم بالله وأشدكم له خشية ))،
وكلما كان العبد أقرب إلى ربه كان أشد له خشية ممن دونه وقد وصف الله الملائكة بقوله : (( يخافون ربهم من فوقهم ))، والأنبياء بقوله : (( الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحداً إلا الله ))
الخوف من الله هو سمة المؤمنين واية المتقين وديدن العارفين
الخوف من الله طريقٌ للامن في الاخرة وسبب للسعادة في الدارين
الخوف من الله دليل على كمال الايمان وحسن الاسلام وصفاء القلب وطهارة النفس
إذا سكن الخوف من الله في القلب أحرق مواضع الشهوات فيه وطرد بهرج الدنيا عنه
الخوف من الله هو سوط الله يقوّم به الشاردين عن بابه ويرد به الابقين الى رحابه
الخوف من الله أصل كل خير في الدنيا والاخرة وكل قلب ليس فيه خوف من الله فهو قلب خرب
سنقف مع الخوف والخائفين لماذا لان البيوت أُتخمت بالمعاصي وأمتلات العقول بالشبهات والنفوس بالشهوات
تُسمع المعصية وقل من ينكرها ويُؤكل الحرام وكأنه حلال يجالس صاحب المعصية ويؤاكل ويشارب مرتكب الكبيرة دون إنكار.
نتكلم عن الخوف يوم أجدبت قلوبنا منه واسودت وأظلمت وقست وتحجرت فهي كالحجارة أو أشد قسوة لم تعد تهزها الموعظة أو تنفعها الذكرى إلا من إلا من رحم ربك فالخوف من الله هو الوسيلة الاكيدة لاتعاظ الراقدين وتنبيه الغافلين إستخدمها الرسل أجمعون والدعاة الصادقين ففتح الله على ايديهم قلوباً غلفا وأعينا عميا وأذانا صما
الخوف من الله هو الذي منع إبن ادم أن يقتل اخاه عندما هم ان يقتله
((لئن بسطت اليّ يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي اليك لاقتلك إني أخاف الله رب العالمين )) المائدة والله جل وعلا أمرنا بخوفه ومدح الخائفين في كتابه
قال تعالى ((إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين)) ، قال ابن سعدي –رحمه الله- : (( وفي هذه الآية وجوب الخوف من الله وحده وأنه من لوازم الإيمان فعلى قدر إيمان العبد يكون خوفهم من الله)).
وقال جل شأنه (( وإياي فارهبون)) ، والأمر يقتضي الوجوب.
وقال تعالى (( فلا تخشوا الناس واخشون)) ، قال ابن سعدي: أمر الله بخشية الله التي هي رأس كل خير فمن لم يخشَ الله لم ينكفّ عن معصته ولم يمتثل أمره)).
روىالإمام أحمد والترمذي رحمهما الله عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: قلت يا رسول الله: قول الله تعالى: ((وَٱلَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا ءاتَواْ وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَىٰ رَبّهِمْ رٰجِعُونَ)) المؤمنون:60
أهو الذي يزني ويشرب الخمر ويسرق وهو يخاف الله عز وجل؟ قال: ((لا يا ابنة الصديق، ولكنه الذي يصوم ويصلي ويتصدق ويخاف أن لا يتقبل الله منه)).
وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إني أرى ما لا ترون، أطّت السماء وحُقّ لها أن تئط، ما فيها موضع أربع أصابع إلا وملك واضع جبهته ساجداً لله تعالى، والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً وما تلذذتم بالنساء على الفرش ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله تعالى)).
وعن أبي أمامة الباهلي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ليس شيء أحب إلى الله من قطرتين وأثرين: قطرة دموع من خشية الله، وقطرة دم تهراق في سبيل الله، وأما الأثران: فأثر في سبيل الله، وأثر في فريضة من فرائض الله))
فأين القلوب الممتلئة بخوف الله وخشيته
أين القلوب التي ذلت لعزت الجبروت وخشعت لصاحب الملكوت
عباد الله إن الله تعالى يريد لعباده أن يعرفوه ويخشوه ويخافوه ولذلك نجد القران الكريم مليء بالايات التي تصف لنا شدة عذاب الله وقوة بطشه وسرعة أخذه واليم عقابه وما أعد من العذاب والنكال للكفار وذكر لنا النار واحوالها وما فيها من الزقوم والضريع والحميم والسلاسل والاغلال وهذه المواعظ لا يتعظ بها الا الخائفين من ربهم والمشفقين من عقابه
قال تعالى (( وأنذر به الذين يخافون أن يحشروا الى ربهم ليس لهم من دونه ولي ولا شفيع )) ،
و قال تعالى: ((لهم من فوقهم ظلل من النار ومن تحتهم ظلل ذلك يخوف الله به عباده يا عبادِ فاتقون)).
قال ابن كثير: ( يخوف الله عباده) إنما يقص خبر هذا الكائن لا محالة ليخوّف به عباده. قال : لينزجروا عن المحارم والمآثم.(يا عبادِ فاتقون) أي اخشوا بأسي وسطوتي وعذابي ونقمتي.
وبين سبحانه أن مايرسله من الآيات لتصديق الأنبياء عليهم السلام كناقة صالح إنما يرسله من أجل التخويف(( وآتينا ثموداً ناقة مبصرة فظلموا بها وما نرسل بالآيات إلا تخويفا)).كذلك الآيات الكونية كالخسوف والكسوف وغيرها.
وكذلك قال الله في البرق والرعد: ((هو الذي يريكم البرق خوفاً وطمعاً وينشيء السحاب الثقال)).
عباد الله
الخوف شجرة طيبة إذا نبت أصلها في القلب إمتدت فروعها الى الجوارح فأتت أكلها بإذن ربها وأثمرت عملا صالحا وقولاًحسنا وسلوكاً قويما وفعلاً كريما فتخشع الجوارح وينكسر الفؤاد ويرق القلب وتزكو النفس وتجود العين
إنّ للخوف من الله ثمرات عظيمة في الدنيا والاخرة
أما في الدنيا ..
فالخوف من الله أولاً من أسباب التمكين في الأرض، وزيادة الإيمان والطمأنينة لأنك إذا حصل لك الموعود وثقت أكثر ، قال عز وجل : (( وقال الذين كفروا لرسلهم لنخرجنكم من أرضنا أو لتعودن في ملتنا فأوحى إليهم ربهم لنهلكن الظالمين ولنسكنكم الأرض من بعدهم ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد)) ، إذاً الخوف من الله يؤدي إلى التمكين في الأرض والانتصار على الأعداء وأن يهلك الله عدوهم ويخزيهم ويورث المؤمنين أرضهم وديارهم.
,والخوف من الله ثانياً يبعث على العمل الصالح والإخلاص فيه وعدم طلب المقابل في الدنيا فلا ينقص الأجر في الآخرة قال تعالى (( إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكوراً* إنا نخاف من ربنا يوماً عبوساً قمطريراً))الانسان 9-10،
وقال تعالى(( في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال*رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار)) النور 36-37،
أي تضطرب وتتقلب وهذا هو الذي دفعهم للعمل ، يريدون النجاة ويحذرون الهلاك ويخافون أن يأتوا وكتبهم بشمالهم.
وأمّا في الآخرة..
أولاً الخوف من الله يجعل الإنسان في ظل العرش يوم القيامة،
ذكر النبي صلى الله عليه وسلم في حديث السبعة (( ورجل طلبته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله))، ((ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه))، الخشية الموجبة لدمع العين تؤدي إلى أن النار لا تمس العين يوم القيامة.
ثانيا الخوف من الله من أسباب المغفرة،
جاء في البخاري قول النبي صلى الله عليه وسلم رجل كان فيمن قبلنا عنده جهل عظيم ورزقه الله مالاً فقال لبنيه لما حضره الموت: أي أب كنت لكم؟قالوا: خير أب ، قال: فإني لم أعمل خيراً قط فإذا مت فأحرقوني ثم اسحقوني ثم ذروني في يوم عاصف ، ففعلوا وما أسهل أن يعيده الله كما كان، قال : ما حملك؟ قال: مخافتك، فتلقاه برحمته..!!، فعذره الله بجهله وشفع له خوفه من ربه وإلا فالذي ينكر البعث كافر.
ثالثا الخوف من الله طريقاً إلى الجنة
لأن النبي صلى الله عليه وسلم : ((من خاف أدلج ومن أدلج بلغ المنزل ألا إن سلعة الله غالية ألا إن سلعة الله الجنة)) أي الذي يخاف من إغارة العدو وقت السحر يسير من أول الليل(أدلج) فبلغ المنزل والمأمن والمطلب، وهذا مثل ضربه الرسول صلى الله عليه وسلم لسالك الآخرة فإن الشيطان على طريقه والنفس الأمارة بالسوء والأماني الكاذبة وأعوان إبليس ، فإن تيقظ في مسيره وأخلص النية في عمله أمن من الشيطان وكيده ومن قطع الطريق عليه، هذه سلعة الله التي من دخلها كان من الآمنين.
رابعا الخوف من الله يرفع الخوف عن الخائف يوم القيامة:
قال صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى (( وعزتي وجلالي، وعزتي لا أجمع على عبدي خوفين وأمنين، إذا خافني في الدنيا أمنته يوم القيامة، وإذا أمنني في الدنيا أخفته في الآخرة)).
ولله در القائل
يـا آمنـا مـع قبـح الفعـل منـه *** أتاك توقيـع أمـن أنت تملكه
جمـعت شيئيـن أمنـا و اتبـاع هـوى *** هذا وإحداهما في المرء تهلكه
والمحسنون على درب الخوف قد ساروا *** و ذلـك درب لسـت تسلـكه
فرطـت في الـزرع وقت البذر من سفه *** فكيف عند حصاد الناس تدركه
هذا وأعـجب شيء فيـك زهـدك فـي *** دار البقاء بعيش سوف تتركه
خامساً الخوف سبب للنجاة من كل سوء
قال صلى الله عليه وسلم (( ثلاث منجيات:منها خشية الله تعالى في السر والعلانية)) فهذه الخشية هي التي تحفظ العبد وتنجيه من كل سوء لأنه قال ووعد الله لا يخلف وهذا رسوله (منجيات) وعمّم تشمل الدنيا والآخرة.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين الأول والأخر والظاهر والباطن وهو بكل شي عليم واشهدا ن لا اله إلا الله وحده لا شريك له واشهد أن محمد عبه ورسوله صلى الله عليه وعلى اله وصحبه وسلم وبعد
ايها المسلمون إسمعوا الى أحوال الخائفين
وتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم *** إنّ التشبه بالكرام فلاح
سيد الخائفين هو محمد صلى الله عليه وسلم كان يقوم الليل حتى تتفطر قدماه
وهذا أبو بكر رضي الله عنه أفضل رجل في هذه الأمة بعد رسول الله نظر إلى طير وقع على شجرة فقال: ما أنعمك يا طير، تأكل وتشرب وليس عليك حساب وتطير ليتني كنت مثلك، وكان رضي الله عنه كثير البكاء وكان يمسك لسانه ويقول: (هذا الذي أوردني الموارد) وكان إذا قام إلى الصلاة كأنه عود من خشية الله،
وهذا عمر الرجل الثاني بعد أبي بكر قال لابنه عبد الله وهو في الموت: (ويحك ضع خدي على الأرض عساه أن يرحمني ثم قال: بل ويل أمي إن لم يغفر لي ويل أمي إن لم يغفر لي)، وأخذ مرة تبنة من الأرض فقال: (ليتني هذه التبنة ليتني لم أكن شيئا، ليت أمي لم تلدني، ليتني كنت منسيا)، وكان رضي الله عنه يمر بالآية من ورده بالليل فتخيفه، فيبقى في البيت أياما معاد يحسبونه مريضا، وكان في وجهه خطان أسودان من البكاء،
وهذا عثمان رضي الله عنه كان إذا وقف على القبر يبكي حتى يبل لحيته وقال: (لو أنني بين الجنة والنار لا أدري إلى أيتهما يؤمر بي، لاخترت أن أكون رمادا قبل أن أعلم إلى أيتهما أصيرُ)،
وهذا علي رضي الله عنه كما وصفه ضرار بن ضمرة الكناني لمعاوية يقول: كان والله بعيد المدى شديد القوى، يقول فصلا، ويحكم عدلا، ويتفجر العلم من جوانبه وتنطق الحكمة من نواحيه يستوحش من الدنيا وزهرتها ويستأنس بالليل وظلمته، كان والله غزير الدمعة طويل الفكرة يقلب كفيه ويخاطب نفسه، يعجبه من اللباس ما قصر ومن الطعام ما خشن كان والله كأحدنا يدنينا إذا أتيناه ويجيبنا إذا سألناه، وكان مع تقربه إلينا وقربه منا لا نكلمه هيبة له فأشهد بالله لقد رأيته في بعض مواقفه وقد أرخى الليل سدوله وغارت نجومه يميل في محرابه قابضا على لحيته يضطرب ويتقلب تقلب الملسوع ويبكي بكاء الحزين، فكأني أسمعه وهو يقول: يا ربنا يا ربنا، يتضرع إليه يقول للدنيا: إلي تعرضت، إلي تشوفت، هيهات هيهات غري غيري قد طلقتك ثلاثا فعمرك قصير ومجلسك حقير وخطرك يسير، آه آه من قلة الزاد وبعد السفر ووحشة الطريق. فوكفت دموع معاوية رضي الله عنه على لحيته ما يملكها وجعل ينشفها بكمه وقد اختنق القوم بالبكاء وهو يقول: هكذا والله كان أبو الحسن.
وهذا ابن عباس رضي الله عنه كان أسفل عينيه مثل الشّراك البالي من البكاء.
وهذا أبو عبيدة رضي الله عنه يقول عن نفسه: وددت أني كنت كبشا فيذبحني أهلي فيأكلون لحمي ويشربون مرقي، وهكذا كان حال صحابة رسول الله مع أنهم كانوا مبشرين بالجنة فهذا علي رضي الله عنه يصفهم ويقول: لقد رأيت أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فلم أرَ أحدا يشبههم منكم لقد كانوا يصبحون شعثا غبرا وقد باتوا سجدا أو قياما، يراوحون بين جباههم وخدودهم، ويقعون على مثل الجمر من ذكر معادهم كأن بين أعينهم ركب العزي من طول سجودهم إذا ذكر الله هملت أعينهم حتى تبتل جيوبهم ومادوا كما يميد الشجر يوم الريح العاصف خوفا من العقاب ورجاء للثواب.
وهذا سفيان الثوري رحمه الله يقول: والله لقد خفت من الله خوفا أخاف أن يطير عقلي منه وإني لا أسأل الله في صلاتي أن يخفف من خوفي منه.
هذا شداد بن أوس رضي الله عن هكان إذا دخل الفراش يتقلب على فراشه لا يأتيه النوم ويقول (إن النار أذهبت مني النوم فيقوم يصلي حتى يصبح)
وهذا منصور بن المعتمر كان كثير الخوف والوجل كثير البكاء من خشية الله قال عنه زائدة بن قدامة: إذا رأيته قلت: هذا رجل أصيب بمصيبة ولقد قالت له أمه: ما هذا الذي تصنع بنفسك تبكى عامة الليل، لا تكاد أن تسكت لعلك يا بنيّ أصبت نفسا، أو قتلت قتيلا؟ فقال: يا أمه أنا أعلم بما صنعت نفسي وهذا معاذ بن جبل رضي الله عنه لما حضرته الوفاة جعل يبكي، فقيل له: أتبكي وأنت صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنت وأنت؟ فقال: ما أبكي جزعاً من الموت أن حل بي ولا دنيا تركتها بعدي، ولكن هما القبضتان، قبضة في النار وقبضة في الجنة فلا أدري في أي القبضتين أنا.
ويقول الحسن بن عرفه: رأيت يزيد بين هارون بواسط وهو من أحسن الناس عينين، ثم رأيته بعد ذلك بعين واحدة ثم رأيته بعد ذلك وقد ذهبت عيناه فقلت له: يا أبا خالد ما فعلت العينان الجميلتان، فقال: ذهب بهما بكاء الأسحار.
أيها الإخوة: هل من مشمر؟ هل من خائف؟ هل من سائر إلى الله؟ بعد هذا الذي سمعناه أرجو أن نكون مثل سلفنا علما وعملا خوفا ورجاء ومحبة فإن فعلنا ذلك كنا صادقين وكنا نحن المشمرين إن شاء الله.
عباد الله
أخبر الحق سبحانه عن حال الخائفين وقد اصبحوا في الجنة وهم يذكرون حالهم في الدنيا: ((وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون قالوا إنا كنا قبل في أهلنا مشفقين فمن الله علينا ووقانا عذاب السموم )) الطور 25-26-27
.الخائفون هم أهل القلوب الوجلةقال تعالى: ((الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم )) الحج:35
الخائفون هم أهل الخشيةقال تعالى : ((الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله )) الزمر:23. قال ابن كثير: هذه صفة الأبرار عند سماع كلام الجبار لما ينهون من الوعد والوعيد، وقال: صلى الله عليه وسلم ((إذا قشعر جلد العبد من خشية الله تحاتت عنه خطاياه كما يتحات من الشجرة ورقها)) الطبراني.
الخائفون هم أهل البكاء
: ((قال عقبة بن عامر: ما النجاة يا رسول الله؟ قال: أمسك عليك لسانك، وليسعك بيتك وابك على خطيئتك)).
والبكاء من خشية الله سمة العارفين قال عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه : لأن أدمع دمعة من خشية الله أحب إلي من أن أتصدق بمئة ألف درهم.وقد بين صلى الله عليه وسلم أن من بكى من خشية الله فأن الله يظله تحت ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله فقال ((...ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه)) بل حرم الله النار على من بكى من خشيته قال صلى الله عليه وسلم: ((لا يلج النار رجل بكى من خشية الله حتى يعود اللبن في الضرع))، وفي رواية قال: ((حرمت النار على عين دمعت أو بكت من خشية الله)) وكلا الحديثين صحيح.وفي الأثر الإلهي: ((ولم يتعبد إلي المتعبدون بمثل البكاء من خشيتي)).
الخائفون هم أهل الهمّة في الطاعة
فهذا عمر رضي الله عنه كان في وجهه خطان أسودان من الدموع وكان يأخذ تبنة من الأرض ويقول: (يا ليتني كنت هذه التبنة، يا ليتني لم أك شيئا مذكورا). وهذا أبو عبيدة بن الجراح يقول: (وددت أني شاة فيذبحني أهلي فيأكلون لحمي ويحتسون مرقي).
وهذا عبد الله بن المبارك يقول: (لو أن رجلا وقف على باب المسجد ونادى ليخرج شر الناس لما سبقني إليه إلا رجل أوتي أكثر مني قوة أو سمعا).
ايها المسلمون لماذا اولائك خافوا
أنهم خافوا من الله لاسباب
أولاً معرفتهم بالله تعالى قال تعالى: ((وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون )) الزمر:67.
يقول عبد الواحد المقدسي: ركبنا البحر فألقتنا السفينة إلى جزيرة فرأينا رجلا يعبد وثنا، قلنا له: ما تعبد؟ فأشار إلى الوثن، قال: وأنتم ما تعبدون؟ قلنا نعبد الله، قال: ومن الله؟ قلنا: الذي في السماء عرشه وفي الأرض سلطانه وفي الناس قضاؤه، قال: وما أعلمكم به ؟ قلنا: رسول الله من عند الملك، قال: فأين الرسول ؟ قلنا: مات، قال: فهل ترك من علامة ؟ قلنا: كتاب من عند الملك، قال: ينبغي أن تكون كتب الملوك حسانا، أئتوني به، فجئناه بالقرآن الكريم فقرأنا عليه فبكى ثم قال: ما يصنع من أراد الدخول في دينكم؟، قلنا: يغتسل ويتوضأ ويقول كلمة التوحيد ويصلي. فاغتسل وقال كلمة التوحيد وصلى فلما جن علينا الليل أخذنا مضاجعنا، قال: أسألكم الإله الذي دللتموني عليه إذا جنه الليل ينام؟، قلنا: لا بل هو حي قيوم لا ينام، قال: بئس العبيد أنتم تنامون وربكم لا ينام)).
وأما سبب أمننا لجهلنا بالله وصفاته وعظيم قدره وللأثر ((يأتي على الناس زمان يجتمعون في مساجدهم ويصلون وليس فيهم مؤمن)).
ثانيا حبهم لله سبحانه: فملك عليهم قلوبهم يقول ابن القيم: (من عرف ربه أحبه) كيف لا ومصدر النعمة هو الله: ((وما بكم من نعمة فمن الله )) النحل:53. ((وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها )) إبراهيم:34
وإليه شكواك ونجواك: ((إنما أشكو بثي وحزني إلى الله )) يوسف:86. وإليه وحده تلجأ عند بلواك: ((وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو )) الأنعام:17. فأي حب ينبغي أن يكون.
لقد أصبح من البداهة أن نسمع من يبذل ماله لعاهرة أو ينتحر لأجل لعوب ضاربا مثلا حقيرا لسالكي دربه، وأصبح من النادر أن نجد من يبذل ماله ونفسه لربه. رحم الله عمر رضي الله عنه وقد سئل: أي شيء أحب إليك، قال: صوم في الصيف وضرب بالسيف.
وهذه رابعة تناجي ربها فتقول: إلهي غارت النجوم ونامت العيون وأنت الحي القيوم، إلهي خلا كل حبيب بحبيبه وأنت حبيب المستأنسين وأنيس المستوحشين، إلهي إن طردتني عن بابك فباب من أرتجي وإن قطعتني عن خدمتك فخدمة من أرتجي، وأما سبب أمننا فهو انحرافنا في حبنا ولمن يكون، فمنا المحب للمال وللنساء والمنصب وهي فتن على الطريق للحديث: ((تعس عبد الدرهم، تعس عبد الدينار))
ثالثا هم خافوا من الله لانهم أمتلأوا يقيناً واليقين عباد الله هو كمال التصديق والرسوخ بوجود الله والجنة والنار والحساب، يرى رسول الله أحد الأصحاب فيقول له: ((كيف أصبحت؟، فيقول: أصبحت مؤمنا حقا، فيقول المصطفى: وما حقيقة إيمانك؟، فيقول: أصبحت أرى عرش ربي بارزا، وأصبحت أرى أهل الجنة وهم يتزاورون، وأهل النار وهم يتعاوون فقال صلى الله عليه وسلم: عرفت فالزم))وأما أسباب أمننا فضعف اليقين والثقة بالله وما أخبر عنه فخسرنا أنفسنا وخسرنا ديننا.
نرقع دنيانا بتمزيق ديننا *** فلا ديننا يبقى ولا ما نرقع
أسأل الله جل وعلا أن يقوي إيماننا وأن يرفع درجاتنا اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معاصيك ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا
هذا وصلوا وسلموا على المصطفى محمد صلى الله عليه وعلى اله فمن صلى عليه صلاة صلى الله عليه بها عشرا
المصدر
صيد الفوائد