طلب أهل الجنة لها من ربهم وطلبها لهم :
قال تعالى: (رّبّنَآ إِنّنَآ سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبّكُمْ فَآمَنّا رَبّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفّرْ عَنّا سَيّئَاتِنَا وَتَوَفّنَا مَعَ الأبْرَارِ * رَبّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتّنَا عَلَىَ رُسُلِكَ وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنّكَ لاَ تُخْلِفُ الْمِيعَادَ) [آل عمران 193: 194] والمعنى وآتنا ما وعدتنا على ألسنة رسلك من دخول الجنة .
فالجنة تسأل ربها أهلها وأهلها يسألونه إياها والملائكة تسألها لهم والرسل يسألونه إياها لهم ولأتباعهم ويوم القيامة يقيمهم سبحانه بين يديه يشفعون فيها لعباده المؤمنين وفي هذا من تمام ملكه وإظهار رحمته وإحسانه وجوده وكرمه وإعطائه ما سئل ما هو من لوازم أسمائه وصفاته واقتضائها لآثارها ومتعلقاتها فلا يجوز تعطيلها عن آثارها وأحكامها فالرب تعالى جواد له الجود كله يحب أن يسئل ويطلب منه ويرغب إليه فخلق من يسأله وألهمه سؤاله وخلق له ما يسأله إياه فهو خالق السائل وسؤاله ومسئوله وذلك لمحبته سؤال عباده له ورغبتهم إليه وطلبهم منه وهو يغضب إذا لم يسئل الله يغضب إن تركت سؤاله وبني آدم حين يسئل يغضب وأحب خلقه إليه أكثرهم وأفضلهم له سؤالا وهو يحب الملحين في الدعاء وكلما ألح العبد عليه في السؤال أحبه وقربه وأعطاه في الحديث من لم يسأل الله يغضب عليه فلا إله إلا هو أي جناية جنت القواعد الفاسدة على الإيمان وحالت بين القلوب وبين معرفة ربها وأسمائه وصفات كماله ونعوت جلاله والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله .
والسنة الصحيحة طافحةُ بالحث على سؤال الله تعالى الجنة والاستجارة من النار منها ما يلي :
(حديث أنس بن مالك رضي الله عنه الثابت في صحيحي الترمذي وابن ماجة ) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من سأل الله الجنة ثلاث مرات قالت الجنة اللهم أدخله الجنة ومن استجار من النار ثلاث مرات قالت النار اللهم أجره من النار .
[*] قال العلامة المباركفوري في "تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي:
( مَنْ سَأَلَ اللَّهَ الْجَنَّةَ ) بِأَنْ قَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسَالِكُ الْجَنَّةَ، أَوْ قَالَ اللَّهُمَّ أَدْخِلْنِي الْجَنَّةَ
( ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ) أَيْ كَرَّرَهُ فِي مَجَالِسَ أَوْ مَجْلِسٍ بِطَرِيقِ الْإِلْحَاحِ عَلَى مَا ثَبَتَ أَنَّهُ مِنْ آدَابِ الدُّعَاءِ الإلحاح فيه
( قَالَتِ الْجَنَّةُ ) بِبَيَانِ الْحَالِ أَوْ بِلِسَانِ الْقَالِ لِقُدْرَتِهِ تَعَالَى عَلَى إِنْطَاقِ الْجَمَادَاتِ وَهُوَ الظَّاهِرُ
( اللَّهُمَّ أَدْخِلْهُ الْجَنَّةَ ) أَيْ دُخُولًا أَوَّلِيًّا أَوْ لُحُوقًا آخِرِيًّا
( وَمَنِ اسْتَجَارَ ) أَيِ اسْتَحْفَظَ
( مِنَ النَّارِ ) بِأَنْ قَالَ اللَّهُمَّ أَجِرْنِي مِنَ النَّارِ
( قَالَتِ النَّارُ اللَّهُمَّ أَجِرْهُ ) أَيِ احْفَظْهُ أَوْ أَنْقِذْهُ
( مِنَ النَّارِ ) أَيْ مِنْ دُخُولِهِ أَوْ خُلُودِهِ فِيهَا.
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في السلسلة الصحيحة ) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ما استجار عبد من النار سبع مرات في يوم إلا قالت النار: يا رب إن عبدك فلانا قد استجارك مني فأجره ، ولا يسأل الله عبد الجنة في يوم سبع مرات إلا قالت: يا رب ! إن عبدك فلانا سألني فأدخله الجنة .
وقد كان جماعة من السلف لا يسألون الله الجنة ويقولون حسبنا أن يجيرنا من النار فمنهم أبو الصهباء صلة بن أشيم صلى ليلة إلى السحر ثم رفع يديه وقال اللهم أجرني من النار أو مثلي يجترئ أن يسألك الجنة ومنهم عطاء السلمي كان لا يسأل الجنة فقال له صالح المري أن أبان حدثني عن أنس أن النبي قال يقول الله عز وجل انظروا في ديوان عبدي فمن رأيتموه سألني الجنة أعطيته ومن أستعذ بي من النار أعذته فقال عطاء كفاني أن يجيرني من النار ذكرها أبو نعيم .
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيحي أبي داوود وابن ماجة ) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل ما تقول في الصلاة قال أتشهد ثم أسأل الله الجنة وأعوذ به من النار أما والله ما أحسن دندنتك ولا دندنة معاذ فقال حولها ندندن .
مسألة : ما معنى حولها ندندن ؟
الدندنة في اللغة : هي الكلام البليغ الذي يدور حول هدف معين، أو هي الصوت الهامس الذي تُسمع نغماته ولكن قد لا يُفهم معناه، طالما لم يجهر به قائله.
وجنة الفردوس هي هدفنا جميعاً ندندن حولها في كلّ عباداتنا، وكتاباتنا، وأقولنا، وأفعالنا، ندور في فلكها ونطوف حول محورها، سواء أكان هدفنا مباشراً أم غير مباشر، مستدلين في ذلك بهدي الهادي الأمين حبيبنا محمد بن عبدالله عليه أفضل الصلوات والتسليم .
http://www.rasoulallah.net/v2/document.aspx?lang=ar&doc=12987